الاثنين، يوليو ٢٣، ٢٠٠٧

ثورة مصر ...

لست من المعتقدين بأننّا - أي المصريّين - في حالة جيدة وأنا من المؤمنين تماما بأنّنا في حاجة إلى ثورة تنتشلنا من الأوضاع المريرة الّتي نعيشها يوميّا ... ومع إيماني بأنّ الطرق السلميّة والمشروعة هي الخيار الأمثل والأوّل لإحداث التغيير إلاّ أنّ الأنظمة المستبدّة ترفض التغيير - وهو حقّ طبيعي للشعوب - من أساسه وتسدّ كلّ الطرق السلميّة إليه وبذلك لا يبقى أمام الشعب سوى طريق واحد ألا وهو الثورة وهي بلا شك طريقة مشروعة وحقّ لأيّ شعب في ظلّ حكم استبدادي يضطهد أبناء شعبه ويمارس ضدّهم التميز والعنف والقهر بمؤسسّساته الرسميّة ... والغير رسميّة أيضا... والثورة ليست بالضرورة عمل يتّسم بالعنف، ففي الدول الّتي تحترم فيها إرادة الشعوب قد يثور الناس على الأوضاع بطريقة سلميّة ويحدثون تغيير يتماشى مع ارادتهم ويخالف النظم السياسية وقواعده إذا تطلّب الأمر بدون أيّ عنف، فالثورة هي بالأساس عمليّة إصلاح خارج المنظومة السياسية. ولك أهمّ ما يجب أن يتوافر في أيّ ثورة هو "الإرادة الشعبية" أي أن يكون الشعب ذاته (وليس من ينوب عنه ولا فئة منه) هو من خرج وثار وغيّر وأصلح ... والثورة بهذا الشكل هي قمّة النضج السياسي للشعوب ومعنى حدوثها بهذا الشكل أنّ الشعب يستطيع أن يقوم بعمل جماعي بدون الحاجة لمؤسسة تنظيمية وذلك لنضج قدرته على العمل السياسي وللأسف لم يكن هذا هو حال مصر عند قيام ثورة يوليو عام 1952، فقد علّم بطش النظام الملكيّ القائم آنذاك المصريين الخنوع والخوف بعد أن حاول سعد زغلول رفع وعيهم وقدرتهم على العمل السياسي، ولكن سياسة الإغتيالات والإعتقال (نعه، هذه الأفعال الشائنة موجودة منذ العصور الملكيّة بمصر) وسلوك "الحرس الحديدي" للملك الّذي كان يصفّي معارضيه مباشرة بلا اعتقال ولا اتهام ولا محاكمة ولا دفاع نشر ثقافة الخوف والخضوع بين الناس، ولم تكن ثورة 1952 هي هبّة للشعب المصري بقدر ما كانت شجاعة من تنظيم من الضبّاط سعى لإحداث تغيير بالنيابة عن شعب يخاف أن يحدثه. ولا يعيب ثورة يوليو أنّها لم تقم بارادة شعبية، فلقد كان حال المصريين (على الأقلّ السواد الأعظم منهم) يرثى له، وكّنا بالفعل بحاجة لثورة لتصحيح أوضاعنا، ومع أنّ الشعب بارك وأيّد هذه الثورة بلّ أنه اعتبر حدوثها مكسبا في حدّ ذاته إلاّ أنّ كلّ مكاسبها أهدرت فيما بعد بل أنّ هذا الشعب لم يستطع حتّى تقويم هذه الثورة حين أخطأت والسبب واضح وجليّ وبسيط ... نحن لم نصنع هذه الثورة ولم نتعب فيها كما يقول المصريون ... ولذلك أهدرناها كما يهدر الطفب مال أبوه لأنّه لا يعرف كم تعب وكدّ وربّما عرّض أوه نفسه للخطر من أجل هذا المال ... هذا المكسب

وأنتهز فرصة عيد الثورة اليوم لا لكي أمجّد عبد الناصر وثورة يوليو وإنّما لأؤكّد على قيمة "فعل" الثورة في حدّ ذاته وهو حلّ مشاكل مصر (بشرط أن نثور جميعا وليس فئة منّا) الحالية الّتي ترجع بالأساس لوجود نظام سياسي فاسد لا يريد أن يتخلّى عن دجاجة الحكم الّتي تبيض له ذهبا وسلطة وقوّة ومال وكلّ ما يفسد النفوس الضعيفة لبشر تحكمهم كراسيهم بدلا من أن يحكموها. وبصراحة شديدة سيقابل الرئيس الحالي وجه ربّه عن قريب (وأنا بصدق أتمنّى له طول العمر وما تمنيت الموت لأحد أبدا ... كذلك أتمنّى له رباطة الجأش فيما هو مقبل عليه يوم يقف أمام ربّه) وبذلك ستجد مصر نفسها أمام خيارين لاثالث لهما، إمّا أن يقرر المصريون مصيرهم ويئتون بمن يمثل ارادتهم خلفا للرئيس الحالي ... أو تقرر الظروف مصيرنا جميعا فإمّا يحكمنا نجل الرئيس الحالي أو أحد قادة الإخوان المسلمين أو جلبي آخر ترسله لنا الولايات المتحة الأمريكية (سعد الدين ابراهيم مثلا) على ظهر دبابة أو كذبة كالإرهاب وارساء الديموقراطية ... وسيكون علينا حينذاك أن نتذكر أنّ كان بامكاننا أن نقف ونحدث تغييرا ولكننا جبنّا وخفنا وآثرنا السلامة والإنغماس في شئننا الشخصي ظنّا منّا أن ما يحدث خارج أبواب منازلنا لا يمتّ لنا بصلة ... في عيد الثورة أوّد أن أقول للشعب المصري أنّ مشكلتك أنّك لا تمارس السياسة، مشكلتك أنّك لم تتعلم كيف تقول لا، مشكلتك أنّك لا تثور حتّى لو هتك عرضك أمام عينك ... مشكلتك أنّ الخوف مسيطر على عقلك ... وأنّك تهرب من مواجهة لا بديل عنها لتغيير أحوالك ... لقد اقتربت الساعة وحانت اللحظة الّتي إمّا أن تستغلّها وتثور أو يستغلّك العالم كلّه إن فوّتها ... وكلّ ثورة وأنتم طيبون.

ليست هناك تعليقات: